فصل: بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ:

(وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ مِثْلُ أَنْ يَقول لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَقَعُ لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَصَرُّفُ يَمِينٍ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عِنْدَ الشَّرْطِ وَالْمِلْكُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ عِنْدَهُ وَقَبْلَ ذَلِكَ أَثَرُهُ الْمَنْعُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُتَصَرِّفِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ، وَالْحَمْلُ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ كَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا (وَإِذَا أَضَافَهُ إلَى شَرْطٍ وَقَعَ عَقِيبَ الشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقول لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ) وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ، وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ).
الْيَمِينُ فِي الْأَصْلِ الْقُوَّةُ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
إنَّ الْمَقَادِيرَ بِالْأَوْقَاتِ نَازِلَةٌ ** وَلَا يَمِينَ عَلَى دَفْعِ الْمَقَادِيرِ

أَيْ لَا قُوَّةَ، وَسُمِّيَتْ إحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْيَمِينِ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُخْرَى، وَسُمِّيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ يَمِينًا لِإِفَادَتِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَرَدُّدِ النَّفْسِ فِيهِ، وَلَا شَكَّ فِي إفَادَةِ تَعْلِيقِ الْمَكْرُوهِ لِلنَّفْسِ عَلَى أَمْرٍ بِحَيْثُ يَنْزِلُ شَرْعًا عِنْدَ نُزُولِهِ قُوَّةُ الِامْتِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَتَعْلِيقُ الْمَحْبُوبِ لَهَا عَلَى ذَلِكَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ فَكَانَ يَمِينًا.
قولهُ: (وَإِذَا أَضَافَ إلَخْ) اسْتَعْمَلَهَا فِي الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَإِلَّا فَالْمِثَالُ لَا يُطَابِقُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا إضَافَةٌ.
قولهُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقَعُ) وَنُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ خَصَّ بَلَدًا أَوْ قَبِيلَةً أَوْ صِنْفًا أَوْ امْرَأَةً صَحَّ، وَإِنْ عَمَّمَ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ إذْ فِيهِ سَدُّ بَابِ النِّكَاحِ، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى.
أَمَّا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا مَعَ الْعُمُومِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَرْتَفِعُ بِالتَّكْفِيرِ.
وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعُمُومِ وَذَلِكَ الْخُصُوصِ إلَّا أَنَّ صِحَّتَهُ فِي الْعُمُومِ مُطْلَقٌ، يَعْنِي لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ أَوْ بِمَعْنَاهُ، وَفِي الْمُعَيَّنَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، فَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الصِّفَةُ: أَعْنِي أَتَزَوَّجُهَا، بَلْ الصِّفَةُ فِيهَا لَغْوٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ، بِخِلَافِ قولهِ إنْ تَزَوَّجْت هَذِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالسَّبَبِ فِي الْمُحِيطِ.
لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَطْلُقُ، وَكَذَا كُلُّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا حُرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمِلْكِ.
وَلَوْ قَالَ: نِصْفُ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُزَوِّجُنِيهَا طَالِقٌ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ بَدَلًا أَوْ شَرْطًا.
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ.
وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ.
تَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ بِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ» وَعِنْدَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُه: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» انْتَهَى، وَفِيهِ جُوَيْبِرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: يَوْمَ أَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، قَالَ: طَلَّقَ مَا لَا يَمْلِكُ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: «قَالَ عَمٌّ لِي: اعْمَلْ لِي عَمَلًا حَتَّى أُزَوِّجَكَ ابْنَتِي، فَقُلْتُ: إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي: تَزَوَّجْهَا فَإِنَّهُ لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ، قَالَ فَتَزَوَّجْتُهَا فَوَلَدَتْ لِي سَعْدًا وَسَعِيدًا».
وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ لِمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ كَالْعِتْقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْإِبْرَاءِ، وَمَا ظُنَّ مَانِعًا مِنْ أَنَّهُ رَتَّبَ عَلَى النِّكَاحِ ضِدَّ مُقْتَضَاهُ فَيَلْغُو، وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْوُصْلَةِ وَانْتِظَامِ الْمَصَالِحِ فَلَا يَمْلِكُ جَعْلَهُ سَبَبًا لِانْقِطَاعِهَا، بِخِلَافِ الْعِتْقِ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ فَتَعْلِيقُهُ بِهِ مُبَادَرَةٌ إلَى الْمَطْلُوبِ.
أَمَّا الطَّلَاقُ فَمَحْظُورٌ، وَإِنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ بِتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَاجَةَ كَمَا تَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْوَصْلَةِ بِالدُّخُولِ كَذَلِكَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ، فَإِنَّ النَّفْسَ قَدْ تَدْعُو إلَى تَزَوُّجِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِفَسَادِ حَالِهَا وَسُوءِ عِشْرَتِهَا وَيَخْشَى لَجَاجَتَهَا وَغَلَبَتَهَا عَلَيْهِ فَيُؤَيِّسُهَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِنِكَاحِهَا فِطَامًا لَهَا عَنْ مَوَاقِعِ الضَّرَرِ، فَيَجِبُ أَنْ يُشْرَعَ كَمَا شُرِعَ تَعْلِيقُهُ بِخُرُوجِهَا لِيَفْطِمَهَا عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَتَحَقَّقَ الْمُقْتَضَى وَهُوَ تَكَلُّمُهُ بِالتَّعْلِيقِ لِمَا يَصِحُّ بِلَا مَانِعٍ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ تَعْلِيقِ طَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ لِمَا سَيُذْكَرُ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ أَمَّا مَا قَبْلَ الْحَدِيثَيْنِ الْأَخِيرِينَ فَمَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ لِأَنَّهُ هُوَ الطَّلَاقُ، أَمَّا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ فَلَيْسَ بِهِ بَلْ لَهُ عَرَضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ طَلَاقًا وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّرْطِ (وَالْحَمْلُ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ كَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ) قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلُّ أُمَّةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ هُوَ كَمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: أَوَ لَيْسَ قَدْ جَاءَ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلَا عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ» قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ أَنْ يَقول الرَّجُلُ: امْرَأَةُ فُلَانٍ طَالِقٌ وَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ.
وَقول الْمُصَنِّفِ (وَغَيْرُهُمَا) تَصْرِيحٌ بِمَا يُفْهَمُ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ الْمُشْعِرَةِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ خُصُوصًا بَعْدَ قولهِ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ يُعْطِي أَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ غَيْرِهِمَا أَيْضًا.
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سَالِمٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَسْوَدِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَكْحُولٍ الشَّامِيِّ فِي رَجُلٍ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ يَوْمَ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا هُوَ كَمَا قَالَ.
وَفِي لَفْظٍ: يَجُوزُ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
وَقَدْ نُقِلَ مَذْهَبُنَا أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَشُرَيْحٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ الْأَخِيرَانِ فَلَا شَكَّ فِي ضَعْفِهِمَا.
قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ: إنَّهُمَا بَاطِلَانِ، فَفِي الْأَوَّلِ أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: وَضَّاعٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ: كَذَّابٌ، وَفِي الْأَخِيرِ عَلِيُّ بْنُ قَرِينٍ كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، بَلْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْقَاضِي شَيْخُ السُّهَيْلِيِّ جَمِيعَ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الصِّحَّةِ، وَلِذَا مَا عَمِلَ بِهَا مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ، فَمَا قِيلَ: لَمْ يَرِدْ مَا يُعَارِضُهَا حَتَّى يُتْرَكَ الْعَمَلُ بِهَا سَاقِطٌ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ فَرْعُ صِحَّةِ الدَّلِيلِ أَوَّلًا، كَيْفَ وَمَعَ عَدَمِ تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ لَا دَلَالَةَ عَلَى نَفْيِ تَعْلِيقِهِ بَلْ عَلَى نَفْيِ تَنْجِيزِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا مَعْنَى لِحَمْلِهِ عَلَى التَّنْجِيزِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ فَالْجَوَابُ صَارَ ظَاهِرًا بَعْدَ اشْتِهَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ لَا قَبْلَهُ، فَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْجِيزًا وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ طَلَاقًا إذَا وُجِدَ النِّكَاحُ فَنَفَى ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا.
بَقِيَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَمْنَعُوا كَوْنَ الْمُعَلَّقِ لَيْسَ طَلَاقًا لِيَخْرُجَ عَنْ تَنَاوُلِ النَّصِّ، بَلْ هُوَ طَلَاقٌ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ وَاللُّغَةِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ الطَّلَاقِ تَعْلِيقَهُ، وَكَذَا الشَّرْعُ لَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَعَلَّقَ طَلَاقَهَا لَا يَحْنَثُ إجْمَاعًا.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيَّ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا، فَقَالَ الْقَاسِمُ: إنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا، فَأَمَرَهُ عُمَرُ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُظَاهِرِ.
فَقَدْ صَرَّحَ عُمَرُ بِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الظِّهَارِ بِالْمِلْكِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا وَالْكُلُّ وَاحِدٌ.
وَالْخِلَافُ فِيهِ أَيْضًا وَكَذَا فِي الْإِيلَاءِ إذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَصِحُّ فَمَتَى تَزَوَّجَهَا يَصِيرُ مُولِيًا.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّعْلِيقُ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ فِي مَحَلٍّ فِي حَالٍ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَيَلْغُو كَتَعْلِيقِ الصَّبِيِّ بِأَنْ قَالَ: إذَا بَلَغْت فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ، وَتَعْلِيقُ الْبَالِغِ طَلَاقَ الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ الْمِلْكِ.
قُلْنَا: لَا بُدَّ أَوَّلًا مِنْ بَيَانِ الْمُرَادِ بِقولنَا هُوَ طَلَاقٌ أَوْ لَيْسَ بِهِ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ لِحُكْمِ الطَّلَاقِ مِنْ الْعِدَّةِ وَغَيْرِهَا تَأَخَّرَ عَمَلُهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ.
وَحِينَئِذٍ نَقول: لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ سَبَبًا شَرْعًا لِثُبُوتِ حُكْمٍ فِي مَحَلٍّ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ اتِّصَالِهِ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ شَرْعًا: أَعْنِي أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّرْعُ أَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ فِيهِ لَا مُجَرَّدُ الِاتِّصَالِ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ سَبَبِيَّتَهُ لَيْسَتْ إلَّا بِإِيجَابِهِ الْحُكْمَ فِي مَحِلِّ حُلُولِهِ مَلْزُومًا لِلْحُكْمِ فَيَحِلُّ حَيْثُ حَلَّ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ، بَلْ إذَا كَانَ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ إذْ ذَاكَ لَا الْآنَ، فَإِذَا كَانَ ذَاكَ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ وَهُوَ التَّعْلِيقُ فَحِينَئِذٍ يَنْزِلُ بِالْمَحِلِّ سَبَبًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْبَيْعَ عَلَى مُنْتَظَرٍ بَلْ أَثْبَتَهُ فِي الْحَالِ، غَيْرَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ خِيَارَ أَنْ يَفْسَخَ إنْ لَمْ يُوَافِقْ غَرَضَهُ رِفْقًا بِهِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْوُصُولِ فِي الْحَالِ بَلْ يُحَقِّقُ سَبَبِيَّتَهُ فِي الْحَالِ لَوْ تَأَمَّلْت هَذَا التَّرْكِيبَ.
وَأَمَّا عَدَمُ اعْتِبَارِهِ مِنْ الصَّبِيِّ فَلَيْسَ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَحَلِّ بَلْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيقِ كَالتَّنْجِيزِ، بِخِلَافِ الْبَالِغِ فَإِنَّ افْتِقَارَهُ فِي التَّصَرُّفِ إلَى الْمَحَلِّ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قَصْدِ التَّنْجِيزِ فِيهِ لِلْحَالِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ الْتِزَامُ يَمِينٍ يَقْصِدُ بِهَا بِالذَّاتِ الْبِرَّ: أَعْنِي مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ تَزَوُّجِهَا، وَهَذَا يَقُومُ بِهِ وَحْدَهُ فَيَتَضَمَّنُ هَذَا مَنْعَ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي الْمَحَلِّ فِي حَالِ عَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ بَلْ تَصَرُّفٌ مُقْتَصِرٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحِنْثُ أَحَدَ الْجَائِزَيْنِ وَبِتَقْدِيرِهِ يَنْعَقِدُ كَلَامُهُ سَبَبًا وَهُوَ يَسْتَدْعِي الْمَحَلِّيَّةَ وَهُمَا مَعًا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لَزِمَ لِصِحَّةِ كَلَامِهِ فِي الْحَالِ ظُهُورُ قِيَامِ مِلْكِهِ عِنْدَ انْعِقَادِهِ.
ثُمَّ رَأَيْنَا الشَّرْعَ صَحَّحَهُ مُكْتَفِيًا بِظُهُورِ قِيَامِهِ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا قَالَ لِلْمَنْكُوحَةِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ قِيَامَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ فَتَصْحِيحُهُ إيَّاهُ مَعَ تَيَقُّنِ قِيَامِهِ أَحْرَى وَذَلِكَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ، وَبِهَذَا حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ الْأَخِيرِ: أَعْنِي تَطْلِيقَهُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا رَأَيْنَا الشَّرْعَ صَحَّحَ قولهُ لِلْأَمَةِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ حَتَّى يُعْتِقَ مَا تَلِدُهُ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ مِلْكِ عِتْقِ الْوَلَدِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، فَظَهَرَ أَنَّ قِيَامَ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْحُكْمِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ، وَلَعَمْرِي إنَّ جُلَّ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بِنِهَايَةِ الْإِيجَازِ وَطَلَاوَةِ الْأَلْفَاظِ.
وَقولهُ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ يُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لَا يَقَعُ كَقولهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك إذْ لَا يَثْبُتُ الشَّيْءُ مُنْتَفِيًا، وَمَرْجِعُ ضَمِيرِ أَثَرِهِ تَصَرُّفُ يَمِينٍ وَهُوَ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ تَصَرُّفٌ هُوَ يَمِينٌ، وَكَذَا هُوَ فِي قولهِ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُتَصَرِّفِ، أَيْ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ الْمَحَلِّ بَلْ قِيَامُ ذِمَّةِ الْحَالِفِ فِي ذَلِكَ كَافٍ.
وَقول مَالِكٍ إنَّهُ سَدَّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ النِّكَاحِ.
قُلْنَا: فَمَاذَا يَلْزَمُ إذْ قَدْ يَكُونُ عَلِمَ مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ دِينًا لِعِلْمِهِ بِغَلَبَةِ الْجَوْرِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دُنْيَا لِعَدَمِ يَسَارِهِ وَلِنَفْسِهِ لَجَاجٌ فَيَأَّسَهَا، عَلَى أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ تَزَوُّجَهُ عِنْدَنَا بِأَنْ يَعْقِدَ لَهُ فُضُولِيٌّ وَيُجِيزُ هُوَ بِالْفِعْلِ كَسَوْقِ الْوَاجِبِ إلَيْهَا أَوْ الْوَطْءِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ كَوْنُ الْمُضَافِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ كَالْمُعَلَّقِ، لَكِنَّهُمْ جَعَلُوهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ نَحْوَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدُمُ فُلَانٌ، وَلَا فَرْقَ إلَّا ظُهُورُ إرَادَةِ الْمُضِيفِ الْإِيقَاعَ، بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ فَإِنَّ قَصْدَهُ الْبِرُّ، فَكَأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمَعْقول صَارِفٌ لِلَّفْظِ عَنْ قَضِيَّتِهِ وَلَا يُعْرَى عَنْ شَيْءٍ مَعَ أَنَّ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَإِذَا جَاءَ غَدٌ وَاحِدٌ فِي قَصْدِ الْإِيقَاعِ، وَهُمْ يَجْعَلُونَ إذَا جَاءَ غَدٌ تَعْلِيقًا غَيْرَ سَبَبٍ فِي الْحَالِ وَالْآخَرُ سَبَبًا فِي الْحَالِ.
وَأَمَّا قولهُمْ إنَّهُ يَنْزِلُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ كَأَنَّهُ عِنْدَ الشَّرْطِ أَوْقَعَ تَنْجِيزًا فَالْمُرَادُ الْإِيقَاعُ حُكْمًا، وَلِهَذَا إذَا عَلَّقَ الْعَاقِلُ الطَّلَاقَ ثُمَّ جُنَّ عِنْدَ الشَّرْطِ تَطْلُقُ، وَلَوْ كَانَ كَالْمَلْفُوظِ حَقِيقَةً لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ.
فُرُوعٌ:
فِي الْمُنْتَقَى: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ: فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ أَمَرْت مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ طَلُقَتْ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ: إحْدَاهُمَا عَلَى الْأَمْرِ وَالْأُخْرَى عَلَى التَّزَوُّجِ.
وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ وَإِنْ أَمَرْت مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ فَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ طَلُقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ وَالشَّرْطَ شَيْئَانِ وَقَدْ وُجِدَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ حَيْثُ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ بَعْضَ الشَّرْطِ، فَإِنْ أَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلًا فَقَالَ: زَوِّجْنِي فُلَانَةَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ عَلَى حَالِهَا طَلُقَتْ لِكَمَالِ الشَّرْطِ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ أَمَرْت إنْسَانًا أَنْ يُزَوِّجَنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَهُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْأَمْرِ قَبْلَ تَزْوِيجِ الْمَأْمُورِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِلَا وُقُوعِ شَيْءٍ فَلَا يَحْنَثُ بِتَزَوُّجِهِ بَعْدَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ خَطَبْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَخَطَبَهَا فَتَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ، قَالَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْخِطْبَةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: الْيَمِينُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُهُمَا، وَأَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ صَالِحٌ وَالْآخَرُ لَا فَإِنَّهُ نَصٌّ عَلَى الْحِنْثِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ قَبْلَ الْأَمْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَقَبْلَ الْخِطْبَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَعَ بِأَنْ قَالَ لِلْمَرْأَةِ ابْتِدَاءً بِحَضْرَةِ رَجُلَيْنِ: تَزَوَّجْتُك بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ.
وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ: لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَتَزَوَّجَ فُلَانَةَ لَا تَطْلُقُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ كَقولهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَضْمُونُ الشَّرْطَيْنِ.
رَجُلٌ لَهُ مُطَلَّقَةٌ فَقَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَتَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ.
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك مَا عِشْت فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَالطَّلَاقُ عَلَيَّ وَاجِبٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا يَقَعُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَطْلِيقَةٌ بِالْيَمِينِ الْأُولَى وَتَقَعُ أُخْرَى عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ يَصْرِفُهَا إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ، هَذَا فِي النَّوَازِلِ.
قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ الثَّانِيَةَ تَعْلِيقُ إيجَابِ الطَّلَاقِ بِالتَّزْوِيجِ وَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ تَعْلِيقِ نَفْسِ الطَّلَاقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِالْيَمِينِ الْأُولَى طَلَاقُ إحْدَاهُمَا يُصْرَفُ إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى لَمَّا انْصَرَفَتْ إلَى الطَّلَاقِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ زن ويرا طَلَاق، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ عَلَى إحْدَاهُمَا انْتَهَى.
وَفِي نَظَرِهِ نَظَرٌ.
أَمَّا قولهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ إلَخْ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّنْجِيزَ بِالطَّلَاقِ عَلَى وَاجِبٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَأَنَّ الْمُخْتَارَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَالْمَذْكُورُ فِي النَّوَازِلِ بِنَاءٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قولهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِالْيَمِينِ الْأُولَى طَلَاقُ إحْدَاهُمَا إلَخْ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ حَلَالَ اللَّهِ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ لَا بَدَلِيٌّ فَيَشْمَلُ الزَّوْجَتَيْنِ مَعًا فَقَدْ حَرَّمَهُمَا وَزْن ويرا طَلَاق لَيْسَ مِثْلُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ امْرَأَتُهُ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ فَقَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى وَاحِدَةٍ مُبْهَمَةٍ فَإِلَيْهِ تَعْيِينُهَا وَإِذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ بِالْفِعْلِ بِأَنْ سَاقَ الْمَهْرَ وَنَحْوَهُ لَا تَطْلُقُ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ بِهِ لِانْتِقَالِ الْعِبَارَةِ إلَيْهِ.

متن الهداية:
فَيَصِحُّ يَمِينًا أَوْ إيقَاعًا (وَلَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا أَوْ يُضِيفَهُ إلَى مِلْكٍ) لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لِيَكُونَ مُخِيفًا فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ وَالظُّهُورُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ سَبَبِهِ (فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّ الْحَالِفَ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا أَضَافَهُ إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَيَصِحُّ يَمِينًا أَوْ إيقَاعًا) أَيْ فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ يَمِينًا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عِنْدَنَا فِي الْحَالِ، أَوْ إيقَاعًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ.
قولهُ: (وَلَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا أَوْ يُضِيفُهُ إلَى مِلْكِهِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَ الْوُجُودِ) أَيْ ظَاهِرًا وُجُودُهُ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَقولهُ وَهُوَ الْقُوَّةُ: أَيْ عَلَى الِامْتِنَاعِ هُنَا.
قولهُ: (وَالظُّهُورُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ) لَفْظُ الظُّهُورِ هُنَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَذَا لَفْظُ ظَاهِرٍ الْمَذْكُورِ آنِفًا، وَمَا كَانَ ظَاهِرَ الْوُجُودِ فَتَعَلَّقَ الْإِدْرَاكُ بِهِ قَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الظُّهُورِ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ الْخَاصِّ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قولهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ حِينَ صَدَرَ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ إيقَاعًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَلَا يَمِينًا لِعَدَمِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ مَا يَكُونُ حَامِلًا عَلَى الْبِرِّ لِإِخَافَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مُخِيفًا لِعَدَمِ ظُهُورِ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْفِعْلِ لِعَدَمِ ظُهُورِ ثُبُوتِ الْمَحَلِّيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ.
لَا يُقَالُ: لَمْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى الْعَاقِبَةِ، إنْ تَزَوَّجَهَا ظَهَرَ كَوْنُهُ يَمِينًا وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ إلَى أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا.
لِأَنَّا نَقول: تَحَقُّقُ عَدَمِ الْيَمِينِ حَالَ صُدُورِهِ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَتِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُخِيفًا فَلَمْ يَقَعْ يَمِينًا فَلَا تَتَحَقَّقُ يَمِينٌ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِلَفْظٍ آخَرَ، وَمَعْنَى الْإِخَافَةِ هُنَا إخَافَةُ لُزُومِ نِصْفِ الْمَهْرِ إنْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فَيَجِبُ الْمَالُ فَيَمْتَنِعُ عَنْ التَّزَوُّجِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا قولهُ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَمِينٌ مَعَ أَنَّهُ لَا حَمْلَ فِيهِ وَلَا مَنْعَ بِإِخَافَةٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ لَا لِلشَّاذِّ قولهُ: (وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ) يَعْنِي التَّزَوُّجَ (بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ) وَقَالَ بِشْرُ الْمَرِيسِيِّ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عَقِيبَ سَبَبِهِ، فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ هُوَ ذَلِكَ السَّبَبَ اقْتَرَنَ الْمِلْكُ وَالْوُقُوعُ وَالطَّلَاقُ الْمُقَارِنُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ أَوْ لِزَوَالِهِ لَا يَقَعُ كَالطَّالِقِ مَعَ نِكَاحِك أَوْ مَعَ مَوْتِي، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِنَفْسِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَقَدَّمُ الْمِلْكَ.
وَالْجَوَابُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ: حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ السَّبَبَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُسَبَّبَ، فَتَقْدِيرُ قولهِ إنْ تَزَوَّجْتُك إنْ مَلَكْتُك بِالتَّزَوُّجِ، لَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ بِقولهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ سَبَبِهِ يَنْبُو عَنْ هَذَا، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ بَيَانُ وَجْهِ التَّجَوُّزِ بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، بَلْ هُوَ فِي هَذَا الْقِنِّ مِنْ الْمُسَلَّمَاتِ وَكَانَ سَبَبُ عُدُولِ الْمُصَنِّفِ عَنْهُ أَنَّهُمْ دَفَعُوا الْوَارِدَ عَلَى قولهِمْ فِي قولهِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ لَا تَطْلُقُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ تَمَامَ الْكَلَامِ مُضْمَرًا تَصْحِيحًا، وَالتَّقْدِيرُ إنْ تَزَوَّجْتُك فَدَخَلْت حَتَّى يَصِحَّ وَيَقَعَ بِهِ كَمَا قَالَ بِهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّ الْيَمِينَ مَذْمُومٌ فِي الشَّرْعِ أَوْ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فَلَا يُحْتَالُ فِي تَصْحِيحِهِ، وَهَذَا يُنَافِي ذَلِكَ الْجَوَابَ.
وَيَكْفِي فِي جَوَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ لَا يَخْفَى وُرُودُ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالسَّبَبِ الْمُسَبَّبُ أَوْ حَقِيقَتُهُ، وَالْأَوَّلُ تَصْحِيحُ الْيَمِينِ فَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الْمَنْقول عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَلَى الثَّانِي يَرِدُ مَا قَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُدْفَعَ مَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى تَحْقِيقِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ لِانْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ وَطَرِيقِ الْمَجَازِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَحْسُنُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ مُرَادٌ بِهَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ كَمَا أَجَابَ بِهِ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ.
فُرُوعٌ:
لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ نَكَحَهَا يُوقِعُهُ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالنِّكَاحِ وَذَكَرَ مَعَهُ وَقْتًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِهِ فِيهِ فَلَغَا ذِكْرُهُ الْوَقْتَ وَبَقِيَ التَّعْلِيقُ.
وَقَالَا: لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمَلْفُوظِ عِنْدَ الشَّرْطِ.
وَلَوْ قَالَ وَقْتَ النِّكَاحِ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَك لَا تَطْلُقُ كَذَا هَذَا وَلَوْ قَالَ لِوَالِدَيْهِ: إنْ زَوَّجْتُمَانِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَزَوَّجَاهُ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْوَالِدَيْنِ لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِأَجْنَبِيَّةِ: مَا دُمْت فِي نِكَاحِي فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا لَا تَطْلُقُ، أَمَّا إذَا قَالَ لَهَا: إنْ تَزَوَّجْتُك فَمَا دُمْت فِي نِكَاحِي فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا تَطْلُقُ.

متن الهداية:
(وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا كُلُّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِمَّا تَلِيهَا أَفْعَالٌ فَتَكُونُ عَلَامَاتٍ عَلَى الْحِنْثِ، ثُمَّ كَلِمَةُ إنْ حَرْفٌ لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْوَقْتِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا، وَكَلِمَةُ كُلٍّ لَيْسَتْ شَرْطًا حَقِيقَةً لِأَنَّ مَا يَلِيهَا اسْمٌ وَالشَّرْطُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَزَاءُ وَالْأَجْزِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّهُ أُلْحِقَ بِالشَّرْطِ لِتَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِالِاسْمِ الَّذِي يَلِيهَا مِثْلُ قولك كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ انْحَلَّتْ وَانْتَهَتْ الْيَمِينُ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً، فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إلَخْ) وَمَنْ جُمْلَتِهَا لَوْ وَمَنْ وَأَيُّ وَأَيَّانَ وَأَيْنَ وَأَنَّى وَجَمِيعُهَا تَجْزِمُ إلَّا لَوْ وَإِذَا، وَقِيلَ يُجْزَمُ بِهَا إذَا زِيدَ بَعْدَهَا مَا، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنَّمَا يُجْزَمُ بِإِذَا فِي الشِّعْرِ وَكَذَا بِلَوْ، قَالَ:
لَوْ يَشَأْ طَارَ بِهِ ذُو مَيْعَةٍ

قولهُ: (لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ) يَعْنِي مِنْ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْعَلَامَةِ وَهُوَ الشَّرَطُ بِالتَّحْرِيكِ، قَالَ تَعَالَى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} أَيْ عَلَامَاتُهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَادَّةِ وَلَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ لَفْظِ عَلَامَةٍ وَشَرْطٍ.
قولهُ: (فَتَكُونُ عَلَامَاتٍ) أَيْ يَكُونُ وُجُودُ الْأَفْعَالِ عَلَامَاتٍ عَلَى الْحِنْثِ وَالْحِنْثُ هُوَ وُقُوعُ الْجَزَاءِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى أَلْفَاظِ الشَّرْطِ عَلَامَاتُ وُجُودِ الْجَزَاءِ: أَيْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالذَّاتِ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ وَلَفْظِ لَوْ أَيْضًا كَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُفَادُ بِهَا امْتِنَاعَ فِعْلِ الشَّرْطِ الْمُسْتَلْزِمِ لِامْتِنَاعِ الْجَوَابِ، نَحْوُ لَوْ جَاءَ زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُك فَيُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ إذَا وُجِدَ اسْتَلْزَمَ وُجُودَ الْجَوَابِ، لِأَنَّ اللَّازِمَ يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَلْزُومِ، وَعَلَى هَذَا فَجَمِيعُ الْأَدَوَاتِ تُفِيدُ الْوُجُودَ لِلْوُجُودِ إلَّا أَنَّ لَمَّا كَانَتْ أَدْخَلَ حَيْثُ وُضِعَتْ لِإِفَادَةِ أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وُجِدَ وَفُرِغَ مِنْهُ خُصَّتْ بِقولنَا حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ، وَلَوْ وُضِعَتْ لِإِفَادَةِ امْتِنَاعِ الْمَلْزُومِ وَدَلَّتْ عَلَى الْوُجُودِ لِلْوُجُودِ بِالِالْتِزَامِ فَخُصَّتْ بِحَرْفِ امْتِنَاعٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ يُنَافِيهِ: أَعْنِي التَّعْلِيقَ عَلَى مَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ لِأَنَّهَا أَفَادَتْ تَحَقُّقَ عَدَمِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَلِعَدَمِ حُصُولِهِ لَمْ تُذْكَرْ لَمَّا، وَإِنْ كَانَ لَوْ قَالَ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ كَمَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ.
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيَّ وَلَا الْمَشْهُورَ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتَعَلَّقُ.
وَفِي الْحَاوِي فِي فُرُوعِنَا: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ تَزَوَّجْتُك تَطْلُقُ إذَا تَزَوَّجَهَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي قولنَا: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً} الْآيَةُ.
فَذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إلَى تَجْوِيزِهِ، وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا لِلتَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي.
وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَكَذَا لِعَدَمِ حُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِي التَّعْلِيقِ بِلَمَّا لَمْ يَذْكُرْهَا وَذَكَرَ كُلًّا وَلَيْسَتْ شَرْطًا لِثُبُوتِ مَعْنَى الشَّرْطِ مَعَهَا وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَهُوَ الْفِعْلُ الْوَاقِعُ صِفَةَ الِاسْمِ الَّذِي أُضِيفَتْ إلَيْهِ.
فُرُوعٌ:
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك أَوْ لَوْلَا أَبُوك أَوْ لَوْلَا مَهْرُك لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا فِي الْإِخْبَارِ بِأَنْ قَالَ: طَلَّقْت بِالْأَمْسِ لَوْلَا كَذَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَوْضِعَ وُجُوبِ الْفَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ التَّعْلِيقُ إلَّا بِهَا إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيَتَعَلَّقَ بِدُونِهَا عَلَى خِلَافِ فِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ هُوَ الْجَوَابُ أَوْ يُضْمَرُ الْجَوَابُ بَعْدَهُ وَالْمُتَقَدِّمُ دَلِيلُهُ.
وَأَمَّا الْفَقِيهُ فَنَظَرُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلَا عَلَيْهِ مِنْ اعْتِبَارِهِ الْجَوَابَ.
فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ لِلْحَالِ، فَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ دِينَ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَقْدِيمَهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُتَنَجَّزُ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْفَائِدَةِ فَتُضْمَرُ الْفَاءُ كَمَا فِي قولهِ:
مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا

وَدُفِعَ بِمَا إذَا أَجَابَ بِالْوَاوِ فَإِنَّهُ يُتَنَجَّزُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَعْلِيقُهُ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ دِينَ.
وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَة.
قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَلَوْ نَوَى تَقْدِيمَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قِيلَ: يَصِحُّ وَتُحْمَلُ الْوَاوُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ وَاوَ الِابْتِدَاءِ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي أَوَّلِ كَلَامٍ وَمَوَاضِعُ الْفَاءِ جُمِعَتْ مَفَارِيدَ فِي بَيْتٍ هُوَ هَذَا: طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ ** وَبِمَا وَلَنْ وَبِقَدْ وَبِالتَّنْفِيسِ.

وَأَحْبَبْت ذِكْرَ بَعْضِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَإِيضَاحَهُ لِيُفْهَمَ فَنَظَمْتُهَا فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ وَهِيَ هَذِهِ:
تَعْلَمُ جَوَابَ الشَّرْطِ حَتْمَ قِرَانِهِ ** بِفَاءٍ إذَا مَا فِعْلُهُ طَلَبًا أَتَى

كَذَا جَامِدًا أَوْ مُقْسَمًا كَانَ أَوْ بِقَدْ ** وَرُبَّ وَسِينٍ أَوْ بِسَوْفَ ادْرِ يَا فَتَى

أَوْ اسْمِيَّةً أَوْ كَانَ مَنْفِيَّ مَا وَإِنْ **وَلَنْ مَنْ يَحُدْ عَمَّا حَدَدْنَاهُ قَدْ عَتَا

وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَأَدْخَلَ الْفَاءَ فِي الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ دَخَلَتْ لَا رِوَايَةَ فِيهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يَتَنَجَّزُ لِأَنَّ الْفَاءَ فَاصِلَةٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يَتَعَلَّقُ لِأَنَّ الْفَاءَ حَرْفُ تَعْلِيقٍ.
وَقِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِي حَذْفِ الْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا، وَذِكْرُ الْوَاوِ مَعَ الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ التَّنْجِيزُ مُوجِبَ اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّعْلِيقَ لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ وَهُوَ عَدَمُ كَوْنِ التَّعْلِيقِ إذْ ذَاكَ مَدْلُولَ اللَّفْظِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالْفَاءُ وَإِنْ كَانَ حَرْفَ تَعْلِيقٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُهُ إلَّا فِي مَحِلِّهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ هُنَا.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَنَجَّزَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا لِأَنَّ ذِكْرَهُ بَيَانٌ لِإِرَادَتِهِ التَّعْلِيقَ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلَتْ تَنَجَّزَ لِعَدَمِ التَّعْلِيقِ وَالصِّفَةُ الْمُعْتَبَرَةُ كَالشَّرْطِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ مِثْلُ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، أَمَّا فِي الْمُعَيَّنَةِ فَلَغْوٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ.
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَهُوَ قول الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعِلَّةِ.
وَقَدْ نَاظَرَ مُحَمَّدٌ الْكِسَائِيَّ فِي ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الرَّشِيدِ فَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنَّهَا بِمَعْنَى إذَا اسْتِدْلَالًا بِقولهِ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} وَبِقولهِ تَعَالَى: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} وَقول مُحَمَّدٍ أَوْلَى إذْ لَا أَصْلَ لِجَعْلِهَا كَإِذَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْآيَتَيْنِ مَا ذُكِرَ بَلْ التَّعْلِيلُ هُوَ الْمَعْنَى الظَّاهِرُ فِيهِمَا.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي مِثْلِهِ عَاطِفَةٌ عَلَى شَرْطٍ هُوَ نَقِيضُ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، تَقْدِيرُهُ إنْ لَمْ تَدْخُلِي وَإِنْ دَخَلْت، وَإِنْ هَذِهِ هِيَ الْوَصْلِيَّةُ، وَيَقَعُ فِي الْحَالِ بِقولهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذْ دَخَلْت وَبِقولهِ اُدْخُلِي الدَّارَ، وَأَنْتِ طَالِقٌ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الْحَالَ شَرْطٌ مِثْلُ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ.
قولهُ: (فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ انْحَلَّتْ وَانْتَهَتْ الْيَمِينُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً، فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ) وَإِذَا تَمَّ وَقَعَ الْحِنْثُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ مَرَّةً أُخْرَى إلَّا بِيَمِينٍ أُخْرَى أَوْ بِعُمُومِ تِلْكَ الْيَمِينِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَتَى: إنَّهَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ كَقولهِ:
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ ** تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مَوْقِدٍ

وَالْحَقُّ أَنَّهَا إنَّمَا تُفِيدُ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ بِمَعْنَى أَنَّ أَيَّ وَقْتٍ تَأْتِي تَجِدْ ذَلِكَ، فَفِي مَتَى خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، الْمُفَادُ أَنَّ أَيَّ وَقْتٍ تَحَقَّقَ فِيهِ الْخُرُوجُ يَقَعُ الطَّلَاقُ، فَإِذَا تَحَقَّقَ فِي وَقْتٍ وَقَعَ، ثُمَّ لَا يَقَعُ بِخُرُوجٍ آخَرَ إلَّا لَوْ أَفَادَتْ التَّكْرَارَ، وَإِنْ مَعَ لَفْظِ أَبَدًا مُؤَدَّى لَفْظِ مَتَى بِانْفِرَادِهِ، فَإِذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَطَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ، كَذَا أَجَابَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ.
وَمِنْ غَرَائِبِ الْمَسَائِلِ مَا فِي الْغَايَةِ: مَنْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ: مَنْ دَخَلَ مِنْكُنَّ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مِرَارًا طَلُقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ الدُّخُولُ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ عُمُومُهُ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِقولهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} أَفَادَ الْعُمُومَ، وَلِذَا تَكَرَّرَ الْجَزَاءُ عَلَى قَاتِلِ وَاحِدٍ، وَبِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبُهُمَا.
وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْعُمُومَ فِي الْأَوَّلِ لِعُمُومِ الصَّيْدِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ ضَمِيرُ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَعَمَّ لِذَلِكَ لَا لِمَا ذُكِرَ.
وَعُمُومُ الثَّانِي بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ التَّشْجِيعُ وَكَثْرَةُ الْقَتْلِ.
قِيلَ وَالْأَوْلَى الِاسْتِشْهَادُ بِقولهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} الْآيَةُ حَيْثُ يَحْرُمُ الْقُعُودُ مَعَ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَقَدْ أَفَادَتْ إذَا التَّكْرَارَ لِعُمُومِ الِاسْمِ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ فِعْلُ الشَّرْطِ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعُمُومَ بِالْعِلَّةِ لَا بِالصِّيغَةِ فِيهِمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ وَمَنْعُ الْقُعُودِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ وَهُوَ الْقَتْلُ وَالْخَوْضُ فَيَتَكَرَّرُ بِهِ وَفِي الْمُحِيطِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ: لَوْ قَالَ: أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَيْثُ تَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ، وَاسْتُشْكِلَ حَيْثُ لَمْ يَعُمَّ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِعُمُومِ الصِّفَةِ.

متن الهداية:
(إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْأَفْعَالِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} الْآيَةُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ) وَمِنْ لَطِيفِ مَسَائِلِهَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا: كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ.
وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ طَلَاقِي عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الثَّانِيَةِ اقْتَضَى تَكْرَارَ الْجَزَاءِ بِتَكَرُّرِ الْوُقُوعِ فَيَتَكَرَّرُ إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا، وَفِي الْأُولَى اقْتَضَى تَكَرُّرَهُ بِتَكَرُّرِ طَلَاقِهِ.
وَلَا يُقَالُ: طَلَّقَهَا إذَا طَلُقَتْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَيَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ: إحْدَاهُمَا بِحُكْمِ الْإِيقَاعِ، وَالْأُخْرَى بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ.

متن الهداية:
وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّعْمِيمِ التَّكْرَارُ.
قَالَ: (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ بِاسْتِيفَاءِ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ الْمَمْلُوكَاتِ فِي هَذَا النِّكَاحِ لَمْ يَبْقَ الْجَزَاءُ وَبَقَاءُ الْيَمِينِ بِهِ وَبِالشَّرْطِ.
وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ بِالتَّزَوُّجِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَحْصُورٍ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّعْمِيمِ التَّكْرَارُ) أَوْرَدَ فِي كُلِّ عُمُومٍ وَلَا تَكْرَارٌ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ فَطَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَطْلُقُ، وَأَمَّا الْوُقُوعُ عَلَى امْرَأَةٍ أُخْرَى بِتَزَوُّجِهَا فَبِاعْتِبَارِ عُمُومِ الِاسْمِ وَلَمْ يَنْشَأْ مِنْ نَفْسِ الشَّرْطِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعْمِيمُ الْأَفْعَالِ وَالتَّكْرَارُ مِنْ ضَرُورَتِهِ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْقِيَامِ بِآحَادٍ مُتَعَدِّدَةٍ يَكُونُ بِتَجَدُّدِ الْأَمْثَالِ مِنْ وَاحِدٍ.
قولهُ: (وَلَوْ دَخَلْت عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ) أَبَدًا لِأَنَّ الشَّرْطَ مِلْكٌ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ، وَكُلَّمَا وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ تَبِعَهُ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَيَتْبَعُهُ جَزَاؤُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى: إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمُعَيَّنَةٍ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك أَوْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ تَكَرَّرَ دَائِمًا، وَاسْتَوْضَحَهُ بِمَا إذَا قَالَ: كُلَّمَا اشْتَرَيْت ثَوْبًا أَوْ رَكِبْت دَابَّةً لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا تُوجِبُ التَّكْرَارَ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ.
وَحَقِيقَةُ الْبَحْثِ ادِّعَاؤُهُ اتِّحَادَ الْحَاصِلِ بَيْنَ كُلِّ وَكُلَّمَا إذَا نُسِبَ فِعْلُهَا إلَى مُنَكَّرٍ.
فَإِنْ قُلْت: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، فَإِنَّ كُلًّا يَقْتَضِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ يَثْبُتُ ضَرُورَةً، وَكُلُّ مَا يَقْتَضِيهِ فِي الْأَفْعَالِ وَعُمُومِ الْأَسْمَاءِ يَثْبُتُ ضَرُورَةً، فَإِذَا وُجِدَ فِي لَفْظِ كُلٍّ اسْمٌ وَاحِدٌ انْحَلَّتْ فِي حَقِّهِ وَلَا يَتَكَرَّرُ بِهِ نَفْسُهُ وَبَقِيَتْ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ، وَفِي كُلَّمَا إذَا وُجِدَ فِعْلٌ انْحَلَّتْ بِاعْتِبَارِهِ وَبَقِيَتْ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُمَاثِلَةِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْأَوَّلُ أَوْ لَا.
قُلْنَا: قَدْ اعْتَرَفْتُمْ بِثُبُوتِ عُمُومِ الْأَسْمَاءِ ضَرُورَةً وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى النَّظَرِ إلَى سَبَبِهِ، إذْ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْعُمُومُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءِ فَصَارَ الْحَاصِلُ كُلُّ تَزَوُّجٍ لِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَفِي مِثْلِهِ تَنْقَسِمُ الْآحَادُ عَلَى الْآحَادِ ظَاهِرًا عَلَى مَا قَرَّرُوا فِي رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ {وَجَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهَا إذَا انْحَلَّتْ فِي فِعْلٍ انْحَلَّتْ فِي اسْمِهِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
وَيُدْفَعُ بِأَنَّ انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ عِنْدَ التَّسَاوِي وَهُوَ مُنْتَفٍ لِأَنَّ دَائِرَةَ عُمُومِ الْأَفْعَالِ أَوْسَعُ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَفْرَادِهِ مَا يَتَحَقَّقُ بِالتَّكْرَارِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَقَدْ فُرِضَ عُمُومُهُ بِكُلَّمَا فَلَا يُعْتَبَرُ كُلُّ اسْمٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَقَطْ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ) (لَا يُبْطِلُهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَبَقِيَ وَالْجَزَاءُ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَبَقِيَ الْيَمِينُ (ثُمَّ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ) لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ لِمَا قُلْنَا (وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِمَا إذَا زَالَ الْمِلْكُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ، أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَادَتْ فَدَخَلَتْ لَا تَطْلُقُ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
ثُمَّ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ إلَى آخِرِ مَا فِي الْكِتَابِ، هَذَا وَكَمَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ خِلَافًا لَزُفَرَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ لَحَاقِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَطْلُقُ خِلَافًا لَهُمَا.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَاءَ تَائِبًا مُسْلِمًا فَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا يَنْقُصُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ عِنْدَهُ وَيَنْقُصُ عِنْدَهُمَا.

متن الهداية:
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقول قول الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَزَوَالَ الْمِلْكِ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ (فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَالْقول قولهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مِثْلُ أَنْ يَقول: إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ: قَدْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ) وَوَقَعَ الطَّلَاقُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا تُصَدَّقُ كَمَا فِي الدُّخُولِ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَيُقْبَلُ قولهَا كَمَا قُبِلَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْغَشَيَانِ لَكِنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قولهَا فِي حَقِّهَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقول قول الزَّوْجِ، إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ) وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَدْخُلِي الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: لَمْ أَدْخُلْ وَقَالَ: دَخَلْت فَالْقول لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَمَسِّكَةً بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الدُّخُولِ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضَتِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: لَمْ يُجَامِعْنِي وَقَالَ: فَعَلْت فَالْقول لَهُ مَعَ أَنَّهَا مُتَمَسِّكَةٌ بِظَاهِرَيْنِ عَدَمِ الْجِمَاعِ وَحُرْمَتِهِ فِي الْحَيْضِ الدَّاعِيَةِ إلَى عَدَمِهِ لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ الطَّلَاقَ وَاسْتَحْضَرَ هُنَا مَا فِي النِّكَاحِ.
لَوْ قَالَ: بَلَغَك الْخَبَرُ فَسَكَتَ وَقَالَتْ: رَدَدْت الْقول قولهُ، خِلَافًا لِزُفَرَ لِهَذَا أَيْضًا فَهَذَا أَصْلٌ كُلِّيٌّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَهِيَ فِي طُهْرٍ خَالٍ عَنْ الْجِمَاعِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ: جَامَعْتُك فِي حَيْضَتِك فَأَنْكَرَتْ فَالْقول لَهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً لِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْطَالَ حُكْمٍ وَاقِعٍ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتُ طَلَاقِ السُّنَّةِ بِالْفَرْضِ.
قولهُ: (فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَالْقول قولهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا) عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يَقَعُ وَتَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ بِإِدْخَالِ قُطْنَةٍ فِي فَرْجِهَا فِي زَمَانِ قَالَتْ ذَلِكَ.
وَدُفِعَ بِأَنَّهَا أَمِينَةٌ مَأْمُورَةٌ بِإِظْهَارِ مَا فِي رَحِمِهَا بِقولهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} تَحْرِيمُ كِتْمَانِهَا أَمْرٌ بِالْإِظْهَارِ.
وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالْإِظْهَارِ تَرْتِيبُ أَحْكَامِ الْمُظْهِرِ، وَهُوَ فَرْعُ قَبُولِهِ مَعَ أَنَّ إدْخَالَ الْقُطْنَةِ لَا يُوصِلُ إلَى عِلْمٍ وَلَا ظَنٍّ لِجَوَازِ أَخْذِ دَمٍ مِنْ الْخَارِجِ تَحَمَّلَتْ بِهِ.
قولهُ: (وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ) هَذَا إذَا كَذَّبَهَا، أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا طَلُقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا، وَكَذَا فِي جَمِيعِ نَظَائِرِهِ.
قولهُ: (كَمَا قُبِلَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ) أَيْ انْقِضَائِهَا، حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ لَمْ يُرَاجِعْهَا فَقَالَتْ لَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ تَحْتَمِلُ صِدْقَهَا قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي انْقَطَعَ حَقُّ الرَّجْعَةِ، أَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ: انْقَضَتْ عِدَّتِي مِنْ فُلَانٍ وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ جَازَ لَهُ تَزَوُّجُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا (وَالْغَشَيَانُ) أَيْ حِلُّ الْوَطْءِ وَحُرْمَتُهُ، فَلَوْ قَالَتْ: أَنَا حَائِضٌ حَرُمَ أَوْ طَاهِرٌ حَلَّ، أَوْ قَالَتْ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا: تَزَوَّجْت بِثَانٍ وَغَشِيَنِي حَلَّتْ لَهُ.
لَا يُقَالُ: إمَّا أَنْ تَكُونَ حَاضَتْ أَوْ لَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.
لِأَنَّا نَقول: الْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِي حَقِّهَا شَرْعًا الْإِخْبَارُ بِهِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ وَفِي حَقِّ ضَرَّتِهَا حَقِيقَتُهُ وَشَهَادَتُهَا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَةُ فَرْدٍ وَإِخْبَارُهَا بِهِ لَا يَسْرِي فِي حَقِّهَا مَعَ التَّكْذِيبِ، وَلَا بَعْدُ فِي أَنْ يُقْبَلَ قول الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ، كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى نَصِيبِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَاقُونَ، وَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِمُسْتَحِقٍّ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، هَذَا وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قولهَا إذَا أَخْبَرَتْ بِالْحَيْضِ وَهُوَ قَائِمٌ، أَمَّا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَلَا لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ قولهِ إنْ حِضْت حَيْضَةً حَيْثُ يُقْبَلُ قولهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ حِضْت وَطَهُرْت وَأَنَا الْآنَ حَائِضٌ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى لَا يُقْبَلُ قولهَا وَلَا يَقَعُ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ، وَلَا يَقَعُ إلَّا إذَا أَخْبَرَتْ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ، وَهَذَا لِأَنَّهَا جُعِلَتْ أَمِينَةً شَرْعًا فِيمَا تُخْبِرُ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا فَلَا تَكُونُ مُؤْتَمَنَةً حَالَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَقَالَتَا: حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا، فَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَقَالَ ذَلِكَ فَقُلْنَ: حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ إحْدَاهُنَّ فَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ.
وَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَطْلُقْنَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ.
وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا فَقَطْ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ حَيْضَ الْكُلِّ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ عَلَيْهِنَّ فَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ حَتَّى يَحِضْنَ جَمِيعًا، وَإِنْ حَاضَ بَعْضُهُنَّ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَلَا يَثْبُتُ، وَإِنْ قُلْنَ جَمِيعًا: حِضْنَا لَا يَثْبُتُ حَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَإِنْ صَدَّقَ الْبَعْضَ وَكَذَّبَ الْبَعْضَ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَاحِدَةً طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا لِتَمَامِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّ قولهَا مَقْبُولٌ فِي نَفْسِهَا وَقَدْ صَدَّقَ غَيْرَهَا فَتَمَّ الشَّرْطُ فِيهَا وَلَا تَطْلُقُ غَيْرُهَا لِأَنَّ الْمُكَذَّبَةَ لَا يُقْبَلُ قولهَا فِي غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ فِي الْغَيْرِ، وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْضَ الشَّرْطِ فَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يُصَدَّقَ مَنْ سِوَاهَا جَمِيعًا.

متن الهداية:
(وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أُحِبُّهُ).
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ، إلَى قولهِ: لِمَا بَيَّنَّا) يُرِيدُ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا.
وَقولهُ (وَلَا يُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ نُزُولُ الْجَزَاءِ بِاعْتِبَارِ خَبَرِهَا بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ صِدْقِهَا، فَأُمِنَا هُنَا فَكَذِبُهَا مُتَيَقَّنٌ فَكَيْفَ نَحْكُمُ بِالْجَزَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ.
أَجَابَ بِمَنْعِ تَيَقُّنِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبْلُغُ بِهِ ضِيقُ الصَّدْرِ وَعَدَمُ الصَّبْرِ وَسُوءُ الْحَالِ إلَى دَرَجَةٍ يُحِبُّ الْمَوْتَ فِيهَا فَجَازَ أَنْ تَحْمِلَهَا شِدَّةُ بُغْضِهَا مَعَ غَلَبَةِ الْجَهْلِ وَعَدَمِ الذَّوْقِ لِلْعَذَابِ فِي الْحَالِ عَلَى تَمَنِّي الْخَلَاصِ مِنْهُ بِالْعَذَابِ.

متن الهداية:
أَوْ قَالَ: (إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك فَقَالَتْ: أُحِبُّك طَلُقَتْ هِيَ. وَلَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَلَا تَطْلُقُ صَاحِبَتُهَا) لِمَا قُلْنَا، وَلَا يُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا لِأَنَّهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا إيَّاهُ قَدْ تُحِبُّ التَّخْلِيصَ مِنْهُ بِالْعَذَابِ، وَفِي حَقِّهَا إنْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِإِخْبَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، فَفِي حَقِّ غَيْرِهَا بَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى الْأَصْلِ وَهِيَ الْمَحَبَّةُ.
الشَّرْحُ:
وَلَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: أُحِبُّك كَاذِبَةً طَلُقَتْ قَضَاءً وَدَيَّانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ فَذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ فَصَارَ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا إنْ صَدَقَتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَحَبَّةِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانُ خَلَفٌ عَنْهُ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْأَصْلِ يُبْطِلُ الْخُلُقِيَّةَ.
قُلْنَا: بَلْ عَدَمُ إمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا فِي قَلْبِهَا أَوْجَبَ النَّقْلَ إلَى الْخَلَفِ مُطْلَقًا فَاسْتَوَى التَّقْيِيدُ وَعَدَمُهُ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا ثُمَّ قَالَ: لَسْت أُحِبُّهُ كَاذِبًا فَهِيَ امْرَأَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَاسْتَشْكَلَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي قَلْبِهَا فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِ نَفْسِهِ، لَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا إذْ الْقَلْبُ مُتَقَلِّبٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ، فَالْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ مُتَعَذِّرٌ، وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ لَا الْخَفِيَّةِ، كَالرُّخْصَةِ بِالسَّفَرِ وَالْحَدَثِ بِالنَّوْمِ وَالْجَنَابَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَلْبِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ إنَّمَا يُفَارِقُ التَّعْلِيقَ بِالْحَيْضِ فِي أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا، حَتَّى لَوْ قَامَتْ وَقَالَتْ أُحِبُّك لَا تَطْلُقُ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَاذِبَةً تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْحَيْضِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، وَلَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً.
فُرُوعٌ:
فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ السَّبِّ نَحْوُ قَرْطَبَانِ وَسَفَلَةٍ فَقَالَ: إنْ كُنْت كَمَا قُلْت: فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا آذَتْهُ.
وَقَالَ الْإِسْكَافُ فِيمَنْ قَالَتْ: يَا قَرْطَبَانُ فَقَالَ زَوْجُهَا: إنْ كُنْت أَنَا قَرْطَبَانِ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ فَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ.

متن الهداية:
(وَإِذَا قَالَ لَهَا: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَنَّ مَا يَنْقَطِعُ دُونَهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا (فَإِذَا تَمَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَكَمْنَا بِالطَّلَاقِ مِنْ حِينِ حَاضَتْ) لِأَنَّهُ بِالِامْتِدَادِ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا) لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلَةُ مِنْهَا، وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ الِاسْتِبْرَاءِ وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ (وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صُمْت يَوْمًا طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبَ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَصُومُ) لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا صُمْت لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ) وَيَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُعَيِّنَ ذَلِكَ فَيَقول طَلُقَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ هَذَا الِاسْتِنَادِ فِيمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ أَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عِتْقًا فَجَنَى الْعَبْدُ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَمِرَّ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَبْدِ جِنَايَةُ الْأَحْرَارِ، وَلَا تُحْسَبُ هَذِهِ الْحَيْضَةُ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا بَعْضُ حَيْضَةٍ لِأَنَّهُ حِينَ كَانَ الشَّرْطُ رُؤْيَةَ الدَّمِ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ حَيْضِهَا.
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ) أَيْ يُحْكَمَ بِطُهْرِهَا عَنْ هَذَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ حِضْت حَيْثُ لَا يَكُونُ الْأَوَّلُ بِدْعِيًّا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ فِي الطُّهْرِ بِخِلَافِ الثَّانِي، ثُمَّ إنَّمَا يُحْكَمُ بِطُهْرِهَا فَيَقَعُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِالِاغْتِسَالِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ صَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَأَمَّا بِالْعَشَرَةِ فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ.
قولهُ: (لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلَةُ) عَنْ هَذَا لَوْ قَالَ نِصْفَ حَيْضَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا فِي حَيْضَةٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْكَامِلِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي قولهِ تَطْلُقُ بِحَيْضِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِلتَّيَقُّنِ بِالنِّصْفِ.
قُلْنَا: هَذَا نِصْفُ أَقْصَى مُدَّتِهِ لَا نِصْفُ الدُّرُورِ، وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَطْهُرْ ثُمَّ تَحِضْ.
وَإِذَا قَالَ لِطَاهِرَةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَهُرْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَقْتَضِي شَرْطًا مُسْتَقْبَلًا وَهَذَا الْحَيْضُ قَدْ مَضَى بَعْضُهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ، وَمَا مَضَى لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْيَمِينِ وَالْبَاقِي تَبَعٌ لِلْمَاضِي فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْيَمِينُ كَمَا لَا يَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ، بِخِلَافِ قولهُ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَحِيضِي حَيْضَةً بِشَهْرٍ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا حَاضَتْ فَلَا يُنْتَظَرُ الطُّهْرُ، وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ الِاسْتِبْرَاءِ قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قولهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إذَا صُمْت لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ) إذْ لَمْ يَقُلْ إذَا صُمْت يَوْمًا أَوْ شَهْرًا فَيَتَعَلَّقُ بِمَا يُسَمَّى صَوْمًا فِي الشَّرْعِ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بَرَكَتُهُ وَشَرْطُهُ بِإِمْسَاكِ سَاعَةٍ فَيَقَعُ بِهِ وَإِنْ قَطَعَتْهُ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا صُمْت فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ كَمَالَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّرَهُ بِمِعْيَارٍ كَإِذَا صُمْت يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي صَامَتْ فِيهِ.
وَنَظِيرُ إذَا صُمْت يَوْمًا إذَا صُمْت صَوْمًا لَا يَقَعُ إلَّا بِتَمَامِ يَوْمٍ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمِعْيَارٍ، وَإِذَا صَلَّيْت صَلَاةً يَقَعُ بِرَكْعَتَيْنِ، وَفِي إذَا صَلَّيْت يَقَعُ بِرَكْعَةٍ.

متن الهداية:
(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا أَوَّلُ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ تَطْلِيقَةٌ، وَفِي التَّنَزُّهِ تَطْلِيقَتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ) لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ لَا تَقَعُ أُخْرَى بِهِ لِأَنَّهُ حَالُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ حَالُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِذًا فِي حَالٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَفِي حَالٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِالثِّنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا، وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ لِمَا بَيَّنَّا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا الْأَوَّلُ) لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِالسَّابِقِ وَلَا يَقَعُ بِاللَّاحِقِ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقول لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَتَقْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحٌ مِنْ الْكِتَابِ.
وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِاحْتِمَالِ الْخُرُوجِ مَعًا.
قِيلَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوَّلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ تَحَقَّقَ وِلَادَتَهُمَا مَعًا وَقَعَ الثَّلَاثُ وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ.
وَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي أَوَّلَهُمْ وَقَعَ ثِنْتَانِ فِي الْقَضَاءِ وَثَلَاثٌ فِي التَّنَزُّهِ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَاحِدَةً بِهِ وَثِنْتَيْنِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي مَا بَقِيَ فِي الْبَطْنِ وَلَدٌ، وَإِنْ كَانَ آخِرًا يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِالْجَارِيَةِ انْحَلَّتْ بِالْأُولَى، وَلَا يَقَعُ بِالْغُلَامِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتُرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَثِنْتَيْنِ فَيُحْكَمُ بِالْأَقَلِّ قَضَاءً وَبِالْأَكْثَرِ تَنَزُّهًا.
وَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَةً لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ فِي الْقَضَاءِ وَفِي التَّنَزُّهِ ثَلَاثٌ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْغُلَامَانِ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِأَوَّلِهِمَا وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَلَا بِالْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا وَقَعَ ثِنْتَانِ بِهَا وَوَاحِدَةً بِالْغُلَامِ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا فَتَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَطَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ جَارِيَةً فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ حَمْلَك اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّهُ، فَمَا لَمْ يَكُنْ الْكُلُّ جَارِيَةً أَوْ غُلَامًا لَا يَقَعُ كَمَا فِي قولهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا وَالْبَاقِي بِحَالِهِ كَقولهِ إنْ كَانَ مَا فِي هَذَا الْعِدْلِ حِنْطَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ دَقِيقًا فَطَالِقٌ فَإِذَا فِيهِ حِنْطَةٌ وَدَقِيقٌ لَا تَطْلُقُ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَالْبَاقِي بِحَالِهِ وَقَعَ الثَّلَاثُ.
وَفِي الْجَامِعِ: لَوْ قَالَ: إنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَطَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَوْجُودٌ فِي الْمُقَيَّدِ وَهُوَ قول مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.

متن الهداية:
(وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبَانَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَلَّمَتْ أَبَا عَمْرٍو ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَكَلَّمَتْ أَبَا يُوسُفَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَعَ الْوَاحِدَةِ الْأُولَى) وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَقَعُ، وَهَذِهِ عَلَى وُجُوهٍ: (أَمَّا إنْ وُجِدَ الشَّرْطَانِ فِي الْمِلْكِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَهَذَا ظَاهِرٌ، أَوْ وُجِدَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ، أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ أَيْضًا لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ) أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي الْمِلْكِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ الْخِلَافِيَّةُ.
لَهُ اعْتِبَارُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي إذْ هُمَا فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ.
وَلَنَا أَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ، إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ يُشْتَرَطُ حَالَةُ التَّعْلِيقِ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ لِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَتَصِحُّ الْيَمِينُ وَعِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ لِيَنْزِلَ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ الْحَالُ حَالُ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ الْمِلْكِ إذْ بَقَاؤُهُ بِمَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ) حَاصِلُ مَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ الشَّرْطَ فِعْلًا مُتَعَلِّقًا بِشَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا نَحْوُ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ اُشْتُرِطَ لِلْوُقُوعِ قِيَامُ الْمِلْك عِنْدَ آخِرِهِمَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا.
وَقِيَاسُهُ فِيمَا إذَا كَانَ فِعْلًا قَائِمًا بِاثْنَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَائِمٌ بِهِمَا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مِثْلُ إنْ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ الشَّرْطَ مَجِيئُهُمَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَجِيءَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ، وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ لَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ تَعَدُّدَهُ بِتَعَدُّدِ فِعْلِ الشَّرْطِ وَلَا تَعَدُّدَ فِي الْفِعْلِ هُنَا بَلْ فِي مُتَعَلَّقِهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدُهُ تَعَدُّدَهُ، فَإِنَّهَا لَوْ كَلَّمَتْهُمَا مَعًا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَغَايَتُهُ تَعَدُّدٌ بِالْقُوَّةِ.
وَجْهُ قول زُفَرَ اعْتِبَارُ الْأَوْلَى مِنْ الْوَصْفَيْنِ بِالثَّانِي فِي وُجُوبِ قِيَامِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ إذْ هُمَا فِي حُكْمِ هَذَا الطَّلَاقِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (وَلَنَا أَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ) وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ الْأَهْلِيَّةِ: قِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ، وَكَوْنُ الشَّرْطِ الْمِلْكَ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ غَالِبَ الْوُجُودِ بِتَقْدِيرِ الشَّرْطِ نَظَرًا إلَى ظُهُورِ الِاسْتِصْحَابِ وَمُتَيَقَّنُهُ فِي الثَّانِي، فَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْإِخَافَةُ الْحَامِلَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَوْ الْفِعْلِ، فَإِذَا تَمَّتْ لَا يُحْتَاجُ فِي بَقَائِهَا إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ بَقَاءَهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ حَقِيقَتِهَا بِقِيَامِ الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِوُقُوعِ الْحِنْثِ وَالْحِنْثُ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ الْأَخِيرِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ إلَّا عِنْدَهُ، وَهَذَا مَا وَعَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ.
وَأَمَّا الشَّرْطَانِ فَتَحَقُّقُهُمَا حَقِيقَةً بِتَكْرَارِ أَدَاتِهِمَا وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ بِوَاوٍ وَبِغَيْرِهِ، أَمَّا الثَّانِي فَكَقولهِ إنْ أَكَلْت إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَلْبَسْ ثُمَّ تَأْكُلْ فَتَقَدَّمَ الْمُؤَخَّرُ وَهَذَا الَّذِي سَمَّاهُ مُحَمَّدٌ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ.
وَصُورَتُهُ فِي الْجَامِعِ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا فَهِيَ طَالِقٌ يُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَاسْتَغْنَى عَنْ اللِّقَاءِ بِتَقْدِيمِ الْجَزَاءِ، فَالْكَلَامُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَالتَّزَوُّجُ شَرْطُ الِانْحِلَالِ، وَأَصْلُهُ قوله تَعَالَى: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} الْمَعْنَى: إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ وقوله تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} فَالْجَوَابُ أَحْلَلْنَا لَك امْرَأَةً مُؤْمِنَةً بَعْدَ هِبَتِهَا نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ؛ فَالْمَعْنَى: إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَنْكِحَ مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ أَحْلَلْنَاهَا.
قِيلَ وَيَحْتَمِلُ تَأَخُّرَ إرَادَتِهِ لِأَنَّهَا كَالْقَبُولِ، فَالْمَعْنَى: إنْ وَهَبَتْ مُؤْمِنَةٌ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ فَإِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ: أَيْ قَبْلَ أَحْلَلْنَاهَا.
وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطَانِ شَرْطًا وَاحِدًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ لِعَدَمِ الْعَطْفِ وَإِنْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَأَقَرَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ رَأْيُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْكَلَامُ فِي مُوجِبِ اللَّفْظِ وَلَا الشَّرْطُ الثَّانِي مَعَ مَا بَعْدَهُ هُوَ الْجَزَاءُ لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ وَنِيَّةُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَخَفُّ مِنْ إضْمَارِ الْحَرْفِ لِأَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِلْمَنْطُوقِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ فَكَانَ قولهُ إنْ أَكَلْت مُقَدَّمًا مِنْ تَأْخِيرٍ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْجَوَابِ الْمُتَأَخِّرِ، وَالتَّقْدِيرُ إنْ لَبِسْت فَإِنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ لُزُومِ التَّنْجِيزِ فِي مِثْلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ.
وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ لُزُومِ إضْمَارِ الْفَاءِ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْكَسَ التَّرْتِيبُ.
وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ طَلُقَتْ انْتَهَى.
وَهُوَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَكَانَ الْمُتَقَدِّمُ شَرْطَ الِانْحِلَالِ فَيُعْتَبَرُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَسْأَلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَعِدُهَا ثُمَّ يُعْطِيهَا لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَطِيَّةِ الْوَعْدَ وَفِي الْوَعْدِ السُّؤَالَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ سَأَلْتَنِي إنْ وَعَدْتُك إنْ أَعْطَيْتُك، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ الْحَنَابِلَةِ مَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ بِإِذَا، فَإِنْ كَانَ بِإِنْ تَطْلُقَ لِوُجُودِهِمَا كَيْفَ كَانَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي ذَلِكَ: إذَا، لَا، إن.
وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ ذَكَرَ بِكَلِمَةِ إنْ أَوْ مَتَى فَأَيُّهُمَا قَدِمَ أَوَّلًا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يُنْتَظَرُ قُدُومُ الْآخَرِ لِأَنَّ قولهُ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ يَمِينٌ تَامٌّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي لَا جَزَاءَ لَهُ، فَإِذَا عُطِفَ عَلَى شَرْطٍ تَعَلَّقَ بِهِ جَزَاؤُهُ: أَيْ تَعَلَّقَ جَزَاؤُهُ بِعَيْنِهِ بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ، فَلِذَا لَوْ قَدِمَا مَعًا لَمْ يَقَعْ إلَّا طَلَاقٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا إذَا خَلَّلَ الْجَزَاءَ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ فَقَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَيُّهُمَا سَبَقَ وَقَعَ، ثُمَّ لَا يَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ الثَّانِي شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ تَطْلِيقَةٌ فَتَقَعُ أُخْرَى عِنْدَ الثَّانِي، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ فَقَالَ: إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ حَتَّى يَقْدُمَا لِأَنَّهُ عَطَفَ شَرْطًا مَحْضًا عَلَى شَرْطٍ لَا حُكْمَ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجَزَاءَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَصَارَ شَرْطًا وَاحِدًا فَلَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِأَوَّلِهِمَا صَارَ عَطْفًا عَلَى الْيَمِينِ كَالْأَوَّلِ لَا عَلَى الشَّرْطِ فَقَطْ، فَإِنْ نَوَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِأَحَدِهِمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ بِنِيَّةِ تَقْدِيمِ الْجَزَاءِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ، وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَمَّا إذَا عَطَفَ بِلَا أَدَاةِ شَرْطٍ كَانَ الْمَجْمُوعُ شَرْطًا وَاحِدًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ نَوَى إضْمَارًا كَلِمَةَ الشَّرْطِ، كَذَا فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ.
تَنْبِيهٌ:
يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ الِاتِّصَالُ كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَعُرُوضُ اللَّغْوِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَزَاءِ فَاصِلٌ يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ.
وَفِي الْجَامِعِ: لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَتَعَلَّقُ اسْتِحْسَانًا.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ عَلَى قولهِ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَغْوٌ كَقولهِ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قولهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ، بِخِلَافِ وَحُرٌّ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِلَفْظِهِ لَا يَكُونُ بِالْوَاوِ، فَإِنَّمَا يُشَاكِلُهُ حُرٌّ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَا يُعْتَقُ فِيهِ.
وَأَجْمَعُوا أَنَّ السُّكُوتَ وَالْعَطْفَ لَا يَمْنَعَانِ الْعَطْفَ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ الْعَطْفَ غَيْرُ مُغَيِّرٍ بَلْ مُقَرَّرٌ، بِخِلَافِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا تَعَقَّبَ الشَّرْطُ أَجْزِيَةً لَيْسَتْ أَيْمَانًا تَامَّةً ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَرِيبِ قَيْدِ الْكُلِّ.
وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا يَتَعَلَّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِهِ، وَعَنْ هَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا إنْ دَخَلَتْ صَحَّ التَّعْلِيقُ فَيَتَعَلَّقُ الثَّلَاثُ.

متن الهداية:
(وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: هِيَ طَالِقٌ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلَاقِ) وَهُوَ قول زُفَرَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ.
وَأَصْلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُمَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِالثَّلَاثِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ فَتَعُودُ إلَيْهِ مَا بَقِيَ، وَسَنُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعْت إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) وَقَالَ زُفَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ ثَلَاثٌ مُطْلَقٌ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ، وَقَدْ بَقِيَ حَتَّى وُقُوعِهَا فَتَبْقَى الْيَمِينُ.
وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَانِعَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ، وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ الْمُبْطِلِ لِلْمَحَلِّيَّةِ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ إلَخْ) فَائِدَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ لِلِاتِّفَاقِ فِيهَا عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ.
أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْبَاقِيَ وَاحِدَةٌ بِهَا يَكْمُلُ الثَّلَاثُ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ بِوَاسِطَةِ مِلْكِهِ ثِنْتَيْنِ بِالْهَدْمِ مَعَ الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ نَجَزَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ؛ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً، وَعِنْدَهُمَا لَا إذْ يَمْلِكُ بَعْدَ الْوُقُوعِ ثِنْتَيْنِ.
قولهُ: (وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدُ) وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قولهُ: (وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِ الْجَزَاءِ غَالِبَ الْوُقُوعِ لِتَحَقُّقِ الْإِخَافَةِ، وَالظَّاهِرُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ عَدَمُ الْعَوْدِ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ بِهِ عَدَمُ فِرَاقِهَا وَعَوْدُهَا إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُعْقَدُ لِلْعُمْرِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ مُرَادًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِهِ فَتَقَيَّدَ الْإِطْلَاقُ بِهِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ: أَعْنِي إرَادَةَ الْيَمِينِ.
وَأَيْضًا بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ خَرَجَتْ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لَهُ، وَإِنَّمَا تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بَعْدَ الثَّانِي فَصَارَتْ كَالْمُرْتَدَّةِ تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بِالْإِسْلَامِ، وَبُطْلَانُ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْجَزَاءِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ كَفَوْتِ مَحِلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَتْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا لَا يَقَعُ الْيَمِينُ فَهَذَا كَذَلِكَ، بِخِلَافِ قولهِ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ حَيْثُ يُعْتَقُ لِأَنَّ مَحَلِّيَّتَهُ بِالرِّقِّ وَلَمْ تَزُلْ بِالْبَيْعِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ حَيْثُ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ، خِلَافًا لِزُفَرَ حَيْثُ يُوقِعُ الْوَاحِدَةَ الْبَاقِيَةَ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ اسْتَفَادَ حِلًّا جَدِيدًا بِمِلْكٍ جَدِيدٍ يَمْلِكُ بِهِ الثَّلَاثَ لِأَنَّ عَدَمَ بَقَاءِ الْيَمِينِ بِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَلَمْ تَزُلْ بِالطَّلْقَتَيْنِ فَكَانَتْ بَاقِيَةً حَالَ عَوْدِهَا إلَيْهِ.
وَأَوْرَدَ بَعْضُ أَفَاضِلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةٌ كَقول زُفَرَ لِقولهِمْ الْمُعَلَّقُ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ هَذَا الْمِلْكِ لَيْسَ إلَّا وَاحِدَةٌ فَكَانَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ سِوَاهَا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مَشْرُوطَةٌ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الثَّلَاثُ مَا دَامَ مِلْكُهُ لَهَا، فَإِذَا زَالَ بَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطَلَّقَةً كَمَا هُوَ اللَّفْظُ لَكِنْ بِشَرْطِ بَقَائِهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، فَإِذَا نَجَزَ ثِنْتَيْنِ زَالَ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطَلَّقَةً مَا بَقِيَتْ مَحَلِّيَّتُهَا وَأَمْكَنَ وُقُوعُهَا، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي تَنْجِيزِهِ الثِّنْتَيْنِ فَيَقَعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَدَخَلَتْ حَيْثُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ، إلَّا أَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ مِنْ شَرْطِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْمَشْرُوطِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَتَحْرِيمُ الْحِلِّ، وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الطَّلَقَاتِ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَامَعَهَا فَلَمَّا الْتَقَى الْخِتَانَانِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَبِثَ سَاعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمَهْرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِوُجُودِ الْجِمَاعِ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِلِاتِّحَادِ) وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْجِمَاعَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ وَلَا دَوَامَ لِلْإِدْخَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْإِدْخَالُ بَعْدَ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَجْلِسِ وَالْمَقْصُودِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْعُقْرُ إذْ الْوَطْءُ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِاللَّبَاثِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِوُجُودِ الْمِسَاسِ، وَلَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ صَارَ مُرَاجِعًا بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَامَعَهَا فَلَمَّا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَقَعَ الثَّلَاثُ) ثُمَّ لَمْ يُخْرِجْهُ فِي الْحَالِ بَلْ لَبِثَ سَاعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ: أَيْ الْعُقْرُ بِهَذَا اللُّبْثِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إذَا جَامَعْتُك) فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَتَقَتْ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِذَا مَكَثَ بَعْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرٌ لَهَا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْعُقْرَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ بِالدَّوَامِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَالْحُرِّيَّةِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَبَقِيَ الْعُقْرُ (وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْجَامِعَ الْإِدْخَالُ وَلَيْسَ لَهُ دَوَامٌ) حَتَّى يَكُونَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْإِدْخَالُ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَجِبْ لِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ: أَيْ فِيهِ شُبْهَةُ أَنَّهُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ كَانَ أَوَّلُهُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَلَا يَكُونُ آخِرُهُ مُوجِبًا لَهُ، وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ.
وَإِذَا امْتَنَعَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْبَضْعِ الْمُحْتَرَمِ لَا يَخْلُو عَنْ حَدٍّ زَاجِرٍ أَوْ مَهْرٍ جَابِرٍ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَجْعِيًّا يَصِيرُ مُرَاجَعًا بِاللَّبَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ.
وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ بِتَعَرُّضِ لِلْبَضْعِ عَلَى مَا مَرَّ فَلَمْ يُوجَبْ سَبَبٌ مُسْتَأْنَفٌ لِلرَّجْعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجَعًا بِالْإِجْمَاعِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَإِنْ لَبِثَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَنْزِعْ وَجَبَ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ الْإِدْخَالَ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَلَى ذَلِكَ فَوْقَ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.